علي البيدر
عجزت التجربة الديمقراطية في العراق ومنظومتها السياسية طوال العقدين الماضيين عن تقديم شخصيات تتمكن من قيادة البلاد، او تمتلك ادوات النجاح للوصول به إلى بر الامان الذي سمعنا به كثيراً دون ان نقترب منه، برغم امتلاك تلك المنظومة العديد من العناوين والزعامات المتمتعة بقدرات تحطمت على جدران اول اختبار لها في زمام المسؤولية.
اليوم وبعد مخاض عسير، تسير البلاد على خطى نجاح ثابتة تكفل بصناعتها رئيس وزراء غير تقليدي استوعب التناقضات المحيطة بالعراق وتلك التي تعصف بمشهده الداخلي ليخلق توازنات حذرة متمرداً على الكثير من المفاهيم، فهو ابن الداخل كما يطلق عليه، حيث عاش معاناة العراقيين في عقود الازمة ليكون الاكثر قرباً من الشارع وهذا ما مكّنه من تحقيق جملة من النجاحات في مقدمتها إعادة ثقة الشارع العراقي بالمنظومة السياسية في مؤشر ملحوظ يدل على قدرته في جذب اصطفافات شعبية واسعة كانت تقف إلى جانب المعارضة في وقت سابق، حيث بدأ الشارع المحلي سياسياً ومجتمعياً بلمس بوادر التقدم في خطط الحكومة على الارض الامر الذي زاد من شعبيتها وجعلها اكثر مقبولية.
إذ تشير بعض الاستطلاعات الى ان اكثر من نصف الشعب العراقي راضٍ عن اداء الحكومة الحالية لما حققته من نجاحات رغم بساطتها، الا انها قياسية مقارنة بالحكومات السابقة التي لم تكن تحصل على نصف هذا الرقم من التأييد نتيجة الظروف التي عاشتها البلاد بالامس وواقع اليوم الاقرب لخدمة خطوات السوداني، الذي تواجه حكومته جملة من التحديات قابلتها باتخاذ العديد من القرارات والخطوات في ملفات هامة مثل الأمن والعلاقات الخارجية والخدمات، فضلاً عن مكافحة الفقر والبطالة إلى جانب الاهتمام بقطاعيّ الصحة والكهرباء.
كل ذلك تحقق بفضل حالتيّ الاستقرار السياسي والامني التي يعيشها العراق نتيجة رؤية الحكومة وتطلعها نحو صناعة التنمية والازدهار الغائبتين عن المشهد منذ 2003 . يقف السوداني اليوم امام تحديات اخرى لا تقل اهمية عن ما سبق في مقدمتها ملف محاربة الفساد الذي يشهد نجاحات حقيقية في معركة أعقد من مكافحة الارهاب كونها تتسم بالغموض وتحتاج لعمليات مضنية من التحري والتقصي والتحقيق لدك أوكار الفاسدين، وهذا ما يؤكد انه ماضٍ في مواجهتهم بكل الوسائل والطرق بعد استغلالهم ظروف البلاد المضطربة للتغلغل في مفاصل الدولة، وفي حال نجحت الحكومة بملف محاربة الفساد او الحد منه على اقل تقدير، فأنها سوف تقطع نصف الطريق للوصول إلى تنفيذ برنامجها الوزاري دون معوقات حقيقية، حيث تمثل نزاهة السوداني وشفافيته المحطة الاهم في مواجهة الفاسدين كون لم تؤشر ضده اي شبهة فساد خلال مسيرته الوظيفية الحافلة بالمسؤوليات الهامة.
أمنياً تؤشر حالة الهدوء التي تعيشها البلاد اليوم خطوة اضافية لدعم الاستقرار وجذب اهتمامات المستثمرين والشركات الاجنبية والدول المهتمة بالتواجد داخل الساحة العراقية طمعًا في الحصول على مزيد من الامتيازات خلال المرحلة الحالية . فمنذ تشكيل حكومة السوداني لم يؤشر اي خرق امني او زعزعة في المشهد العراقي كما عاشتها البلاد خلال المراحل السابقة. اما على المستوى الخدمي ، فلم تحقق الحكومة المنجزات التي يسعى إليها المواطن عبر تفعيل مشاريع إستراتيجية تحتاج إلى مزيد من الوقت لترى النور، إلا انها تمكنت من ادارة الملف الاعقد على المستوى الخدمي المتمثل بأزمة الكهرباء في صيف مليئ بالازمات المحلية والإقليمة والدولية المتعلقة بهذا القطاع، إضافة إلى زيادة وتيرة العمل في المشاريع الخدمية المرحلية التي سترى النور في الاسابيع والاشهر القليلة المقبلة.
في مقابل ذلك شرعت في وضع اللمسات الاخيرة على اهم مشروع في تأريخ البنى التحتية العراقية المتمثل بطريق التنمية والذي سيدفع المحيط الاقليمي والدولي لدعم الاستقرار في البلاد فضلًا عن تحقيقه الكثير من المنفعة داخل الساحة المحلية.
محلياً أيضاً اصبحت علاقة الحكومة الاتحادية بحكومة إقليم كوردستان في احسن حالتها بفضل السياسة المتبعة من قبل الطرفين والتي بنيت على اساس الحوار والتفاهم بعيداً عن فرض الإرادات او لغة الربح والخسارة التي اتبعت في المراحل السابقة وهذا ما يوسع من مساحة التأييد الشعبي والسياسي لحكومة إدارة الدولة. ولم تكتف الحكومة الإئتلافية بتحقيق النجاحات الداخلية، بل صنعت واقعا جديدا من العلاقات الخارجية المتزنة عنوانها الدبلوماسية المنتجة القائمة على خلق شراكات حقيقة مع المحيط الإقليمي والدول الكبرى الصديقة للعراق، مبنية على حسن الجوار والإحترام المتبادل والمصالح المشتركة، لتكون البلاد محطة إلتقاء الفرقاء والاصدقاء على حد سواء بعد الابتعاد عن سياسية المحاور والاقطاب التي انتهجتها الحكومات السابقة متخذة من الدبلوماسية المنتجة منهجًا قويمًا في ادارة هذا الملف.
سياسياً وهذا الاهم، نأت الحكومة بنفسها عن الدخول بأزمات عميقة مع الاطراف المتحفظة او حتى الرافضة لها، منشغلة بتوحيد قراراتها وملتزمة بتنفيذ برنامجها الوزاري الذي قطعته مع الشعب والمؤسسة التشريعية وهذا ما يقلل الضغط الموجه ضد خطواتها في تنفيذ وعودها ويجعلها اكثر تحررًا في اتخاذ مواقف منتجة لبناء دولة المؤسسات مما يؤشر ان السوداني يعمل بروحية وطنية عالية كرجل دولة يقودها نحو مزيد من الاستقرار والسلام ليمثل رئيس وزراء لجميع العراقيين وهذا ما يلمسه اي مراقب للمشهد السياسي في البلاد، فالخطاب الذي يتبناه السوداني الآن لا يمثل خطاب ازمة بقدر تمثيله رؤية رجل الدولة الباحث عن إيجاد مزيد من الحلول لا خلق الكثير من الازمات مع الاطراف الداخلية والخارجية. بموازاة ذلك، اثبت السوداني حسن نواياه تجاه المشهد السياسي بعد رفضه تقديم تياره الحزبي كمنافس في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة من أجل تعضيد جهود الحكومة في إنجاح الانتخابات، ملمحاً عدم مشاركته ايضاً في قائمة الظل، والامتناع عن دعم أي تشكيل أو حزب أو مسمّى سياسي آخر، في حين كان بمقدوره استغلال موقعه السياسي والحكومي لتأسيس تحالف انتخابي عابر للهويات الفرعية والمناطقية يجذب اقوى التيارات الحزبية واكثر المرشحين شعبية، فالكل سيطمع للتواجد ضمن قائمة انتخابية يقودها رئيس الوزراء كما حصل في تجارب سابقة.
ان هذا الموقف المتخذ من قبل السوداني يبرهن جديته في تحقيق اصلاح حقيقي بعيداً عن المصالح الفئوية والشخصية التي ستجعله لا يستطيع التحرك بحرية لتنفيذ برنامجه الوزاري وهذا ما يجعل منه رجل المرحلة الاول دون منافس.