مهند الصالح
الانتخابات في المجتمعات الديموقراطية هي مناسبة للتنافس السياسي بين الأحزاب السياسية الممثلة لفئات المجتمع حول القضايا العامة التي تهم المواطنين. وعادة ما يبذل كل حزب جهدا كبيرا في محاولة إقناع الناخبين بأن تصوره لمعالجة تلك المشاكل هو الأفضل، والأقدر على حلها. كذلك، فإن الانتخابات تكون مناسبة لتثقيف المواطنين حول القضايا التي تواجه البلد وجذبهم وتحفيزهم للمشاركة السياسية وتفعيل دورهم في العملية الانتخابية. وبالرغم من أن الانتخابات المحلية التي جرت في ١٢/١٨ كانت غير مرضية
فبدلا من أن تؤدي عودة الديمقراطية للبلد إلى إفراز أحزاب وحركات سياسية ذات فكر معين يستقطب جمهور مويد وداعم
نجد ان اغلب من شخصية برلمانية وسياسية متنفذة قد رشحت اخ واخت وابن وابن عم لذلك شهدت انكفاء متعاظما وعزوف عن المشاركة أدى إلى نتائج غير مرضية وغير متكافئة ويوعز البعض في سبب انكفاء الجمهور لعدم الثقة بين المرشحين والناخب وكذلك عدم الثقة في القيادات السياسية المتنفذة في البلد بشكل عام حيث اصبحت
العشائرية والمناطقية، او العوائل لتكون هي الناظم للحراك الانتخابي والسياسي بشكل عام مع انعدام التوجهات الايدلوجية لدى الجمهور
نلاحظ بأن الانتخابات تحولت من “عرس ديمقراطي سياسي”، الجميع مدعوون للمشاركة فيها، إلى “عرس عائلي” ليس له علاقة بالسياسة سوى المصالح الشخصية من خلال مشاركة الأصدقاء وذوي القربى بها. لذلك، فإن تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات لن يكون مرتبطا فقط بمقاطعة بعض الأحزاب لها، لكن سيكون بالدرجة الأولى مرتبطا بأن الكثير من الناس ليس لهم أي دور أو علاقة أو مصلحة بهذه الأعراس لأنهم ليسوا من أبناء تلك العائلات.
التنافس والصراع حتى داخل العشيرة الواحدة أصبح واقع الحال في كثير من المناطق، ولا ضير في التنافس لو كان حول القضايا العامة أو برامج سياسية، لكنه ليس إلا تنافسا شخصيا على المكانة الاجتماعية.
ارتداد الناس إلى العشيرة والعائلة كوسيلة للدخول في العملية السياسية يجب أن لا تلام عليه العشيرة والعائلة، لأنه نتيجة طبيعية لغياب الأطر السياسية الفاعلة في العملية الانتخابية، حتى عندما تختار الأحزاب المشاركة بالانتخابات (بما فيها المعارضة) وطرح مرشحين لها، فأول اعتبار تأخذه في أسس اختيار المرشح هو ثقله العشائري وإمكانيته للفوز، لا برنامج الحزب الجامع المانع، وهو تكتيك مشروع ولكنه يؤكد ضعف الأحزاب السياسية وعدم قدرتها على تجاوز الأطر التقليدية.
فواقع الحال إذا، هو تراجع البعد السياسي وتعاظم البعد الاجتماعي والعودة إلى الغرائزية الفردية والاجتماعية لتكون هي الضابط للإيقاع السياسي.
السباق إلى الدخول للعملية السياسية أصبح تنافسا بين شخص أو عائلة أو عشيرة، وأصبح الانتماء للوطن والمصلحة العامة يمر من هذه البوابة السياسية. وكمحصلة لهذا الواقع تشعر نسبة كبيرة من أبناء هذا الوطن المخلصين بالاغتراب عن العملية السياسية التي أدت إلى نسبة كبيرة منهم بعدم المشاركة بالانتخابات.
تراجع المجتمع السياسي وغيابه عن الاستحقاق السياسي الأهم في مسار العملية الديمقراطية له انعكاسات سلبية بالغة الأهمية على تطور وتقدم الدولة العراقية ويحتاج إلى مراجعة شاملة لتصويب المسار الذي قد لا يكون ممكنا قبل الانتخابات، لكنه يجب أن يكون على أولويات الحكومة والأحزاب في المرحلة المقبلة
أستحقاق سياسي ام عرس عائلي
