قراءة في خطاب الخنجر السياسي ( 2- 5)
عامر القيسي
اعادة هيكلة العملية السياسية
استطيع ان اجزم ودون تردد ان أخطر ماطرحه خميس الخنجر في خطابه السياسي عبر فضائية الشرقية هو موضوعة اعادة هيكلة العملية السياسية ، الهيكلية التي بنيت بعد التغيير في 2003 والتي قادت البلاد ، بسبب آلياتها واهدافها والخلفيات التي انتجت مخرجاتها، الى مانحن عليه من خراب في مجالات الحياة كافة.
اعادة الهيكلة ليس ترقيع الخارطة المتشققة للمشهد السياسي الحالي ، وهو ما حصل ويحصل وسيحصل لاحقاً اذا بقيت الامور على ما هي عليه الآن، انها بكل بساطة اعادة بناء حقيقية وواقعية وشجاعة ومبنية على منظومة افكار منتجة لهيكل عملية سياسية تكون مخرجاتها نظاما ديمقراطياً حقيقياً يتيح اوسع مشاركة جماهيرية عادلة بتكافؤ الفرص في الانتخابات والمساهمة للخروج بحكومة تكتسب الشرعية الجماهيرية.
وسبق ان نبّه الرجل في خطابات سابقة الى ان البداية من اصلاح الدستور الملغوم ، الدستور الذي تنتج بعض بنوده الغامضة وآليات اشتغاله السياسي أزمات سياسية متكررة تتوالد الواحدة من بطن الاخرى وتمتد لازمات اوسع كما الحال في قضية الكتلة الاكبر او الاكثر عددا والتي حارت فيها المحكمة الاتحادية وتناقضت في تفسيرها في مرحلتي 2010 و2021 فاوقعت الجميع في ازمات مازالت قيد الاشتغال والتعطيل للعمل السياسي المنتج في البلاد .
ومأزق الدستور هذا الذي يخشى الجميع من الاقتراب من مطباته ، كان سبباً بنيوياً في ضعف النظام السياسي في البلاد وهشاشته وانقساماته الاميبية .
مأزق الدستور الذي انتج نظاماً سياسياً محاصصاتياً وطائفياً وعرقياً رثاً.
مأزق االدستور الذي اتاح بكل اريحية للاحزاب السياسية والكتل المتنفذة من التلاعب بفجواته وتنتقل في اشتغالها السياسي من الحقوق السياسية الديمقراطية في نصوص الدستور الى الاعراف السياسية التي سنّتها مصالحها الخاصة فاصبحناً وجهاً لوجه أمام رئيس وزراء شيعياً ورئيس برلمان سنّياً ورئيس جمهورية كرديا ، فاصبح هذا المشهد الاغلب والاقوى من النص الدستور بحق كل مواطن عراقي في ترشيح نفسه الى أي من هذه المناصب التي تم حجزها للمكونات بل لأحزاب المكونات بل للحزب الواحد داخل المكون الواحد !
وقد تمكنت أحزاب المكونات من السيطرة على هذا التقسيم وامدته الى كل تفاصيل مؤسسات الدولة منذ عام ٢٠٠٥، ومازالت متحكمة الى الآن منتجة لنا مايسمى بالدولة العميقة !
وبوضوح فان عدم اعادة هيكلة العملية السياسية بمحتوياتها كافة ، التعديل الدستوري ، النظام الانتخابي ، قانون الاحزاب ، القوانين الانتقالية ( المساءلة والعدالة ) ،مفوضية الانتخابات ، حقوق منظمات المجتمع المدني ، ستجعل الجميع يواصلون لعبة الكراسي والدوران داخل دائرة مغلقة لاتنتج الا المزيد من الازمات المستعصية على الحل .
ولعل اخطر مشكلات الهيكلية السياسية الحالية المرهقة بالتفسيرات والاجتهادات ، هو عجز الطبقة السياسية في اتخاذ القرارات السياسية الصحيحة والفعالة على مستويي التنظيم الداخلي وبناء علاقات خارجية تضمن مصالح العراق ، خصوصاً في مرحلة الازمات التي تؤثر مباشرة على قطاعات واسعة من الشعب العراقي، فالعجز في صناعة واتخاذ القرار السياسي والاقتصادي يلقي بظلاله على قدرة هذه الطبقة السياسية و ” شرعيتها ” ممثلة بمجلس النواب في الاستجابة الصحيحة والمرنة للازمات التي تمر بها البلاد .
ان أي محاولات اصلاح على جدّيتها ، على سبيل الافتراض ، ستواجه الفشل الكلي او الجزئي ،على احسن الافتراضات ، بغياب مشروع اعادة هيكلة العملية السياسية التي على مخرجات هيكلتها الجديدة يمكن الانطلاق لاصلاح العملية نفسها والازمات الناتجة عنها .
والمأزق الحقيقي في الاجابة على الاسئلة المحورية الآتية :
هل تستطيع طبقة انتاج الازمات من الاشتغال على مشروع مستقبل البلاد كمشروع اعادة هيكلة العملية السياسية ؟ هل تستطيع العقول نفسها ان تنتج مخرجات جديدة ؟ هل تمتلك طبقة محاصصة الدولة ومغانمها من تجاوز بنيتها المصلحية الى البنية الاصلاحية الحقيقية التي لابد ان تبدأ من هيكلة العملية السياسية ؟
قراءة في خطاب الخنجر السياسي ( 2- 5)
