كتب : مهند الصالح
لا يمكن تصوّر حزب سياسي حقيقي دون جماهير تساند أفكاره وتؤمن برؤيته. فالحزب، في جوهره، ليس مجرد هيكل تنظيمي أو لافتة أيديولوجية، بل هو كيان حيّ يتغذّى من تفاعل قواعده الشعبية ويستمد شرعيته من انخراط المواطنين فيه. وعند إسقاط هذه الخصائص والعناصر الجوهرية على واقع الأحزاب في الوطن، نجد أنفسنا أمام مشهد قاتم، يكشف عن معاناة هيكلية وتنظيمية عميقة تعصف بغالبية هذه التشكيلات، باستثناء بعض الأحزاب ذات المرجعيات الإسلامية أو القومية.
نعم، لا يمكن إنكار أنّ العديد من الأحزاب ترفع شعارات الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة، لكن المفارقة الكبرى أنّها تفتقر إلى هذه المبادئ داخل هياكلها التنظيمية. فغياب الشفافية، وتكلّس النخب، واحتكار القرار داخل دوائر ضيقة، جعلت هذه الأحزاب عاجزة عن استقطاب الجماهير، وفاقدة للمصداقية أمام الرأي العام، فتحوّلت إلى مجرّد تجمعات لأشخاص أو متقاعدين سياسيين، بعيدًا عن روح العمل الحزبي الحقيقي.
في المقابل، تُعد الأحزاب الإسلامية استثناءً نسبيًا، خاصة من حيث التنظيم والانضباط الداخلي، وآليات اتخاذ القرار، وربما حتى من حيث الممارسة الديمقراطية داخل مؤسساتها. وقد انعكس ذلك في قدرتها على تحقيق نتائج انتخابية مهمة في الانتخابات البرلمانية غير أنّ تجربتها في الحكم سرعان ما تنتكس، لتطرح تساؤلات عميقة حول قدرة هذه الأحزاب على إدارة السلطة، لا فقط التنافس عليها.
إنّ القراءة المتأنّية لتجارب الإسلاميين في الحكم تكشف عن مشكلتين جوهريتين
إذ تعاني بعض الأحزاب الإسلامية من انقسام القرار بين ما يُتّخذ داخليًا، وما يُملى أو يُنسّق خارجيًا، في إطار ما يُعرف بالتنظيمات الدولية أو الروابط العابرة للحدود. وهذا يُضعف استقلالية القرار، ويخلق حالة من التوجّس الداخلي والخارجي.
كثيرًا ما تتردّد هذه الأحزاب في اتخاذ قرارات حاسمة، خوفًا من اختلال التوازنات السياسية مع حلفائها أو مع مراكز النفوذ داخل الدولة العميقة. والمفارقة العجيبة أنّ هذه القوى نفسها – التي يُخشى من زعزعة العلاقة معها – تكون في نهاية المطاف السبب المباشر في إقصاء الإسلاميين من الحكم، وخروجهم منه بخفّي حنين.
لا يمكن الحديث عن حياة حزبية صحية دون إصلاحات عميقة تمسّ جوهر العمل الحزبي، من الانفتاح على القواعد الشعبية، إلى ترسيخ الممارسة الديمقراطية الداخلية، وتعزيز الاستقلالية في القرار. فالحزب الذي لا يملك جماهير حقيقية ولا يُمارس ما يدعو إليه، لا يعدو أن يكون ظلاً باهتًا لكيان سياسي ميت سريريًا.
الأحزاب السياسية بين الغياب الجماهيري والأزمات الهيكلية
